هل عمل إسماعيل ياسين في تزوير العملات؟

من يصدق أن إسماعيل ياسين صانع البهجة، الذي ملأ الشاشات ضحكًا، عاش طفولة حزينة، وشبابًا مريرًا، وانتهت رحلته في صمت ووجع؟
لم يكن ياسين مجرد نجم كوميديا، بل إنسان خاض معارك الحياة منذ نعومة أظافره، وتنقل بين أقصى درجات الفقر والشهرة ثم عاد ليسقط من جديد.
حكايات نادرة
في هذا التحقيق، يستعرض خبر أبيض حكايات نادرة عن حياته، بعضها لا يعرفه الجمهور، وكلها مستندة إلى ما ورد في حلقة خاصة من برنامج فلاش باك تقديم الكاتبة الصحفية عبير عبدالوهاب، والتي أزاحت الستار عن صفحات لم تُروَ من قبل في مسيرة سمعة.
إسماعيل ياسين شارك والده في تزوير الأموال
وُلد إسماعيل ياسين في مدينة السويس لأسرة مفككة، والده كان مدمنًا، وعانى من أزمات مالية وأخلاقية، حتى انتهى به المطاف إلى العمل في تزوير العملات داخل بيته، بعد أن كان يمتلك محلًا للمجوهرات.
بعد وفاة والدته إثر تعرضها لسكتة قلبية بسبب إهانات زوجها، انتقل الطفل إلى حضانة جدته لأمه، التي لم تكن أقل قسوة، كانت تكرهه لأنه يذكّرها بابنتها الراحلة، فعاش سنوات من العنف والإذلال، تُوجت بمواقف صادمة، من بينها إجبارها له على مرافقتها للمقابر في الليل، ومحاولتها تسليمه للجنود الإنجليز.
في لحظة فارقة، عاد الطفل إلى والده، ليجد نفسه متورطًا في نشاطات غير قانونية، فقد أجبره الأب على المشاركة في توزيع أوراق نقدية مزوّرة في الأسواق، لاعتقاده أن الناس لن يشكوا في طفل، هكذا عاش إسماعيل خوفًا دائمًا، وليلًا مليئًا بالكوابيس.
إسماعيل ياسين يهرب من السويس ويبدأ من الصفر بالقاهرة
عند السابعة عشرة، قرر الهرب نهائيًا من جحيم السويس، سرق من جدته ستة جنيهات وسافر إلى القاهرة، بحثًا عن حلم الغناء، بدأ مشواره كمطرب أفراح، لكنه سرعان ما اكتشف موهبته في الإضحاك، بعدما تسبب في إفساد فرح عندما غنّى أغنية حزينة، فحاول إصلاح الموقف بإلقاء نكتة، وكانت تلك النكتة بداية مشوار طويل من النجاح.
خدع عروسه بفرح أم كلثوم الإذاعي
قصة طريفة أخرى في بداياته تتعلق بزوجته الأولى فوزية، حيث أراد أن يبهجها بوعد خيالي: أن تحيي أم كلثوم حفل زفافهما، ومع استحالة تحقيق ذلك ماديًا، اخترع مصطلح فرح إذاعي، وحدد موعد الفرح مع توقيت بث حفلة أم كلثوم على الراديو، وطلب من المعازيم تشغيل المذياع وقت الغناء، فصدح صوت الست، وتحقق الوعد، ولو بطريقة رمزية.
زوجته تدخلت لطرد سناء جميل من فرقته
فوزية لم تكن الزوجة الوحيدة في حياة إسماعيل، لكنها كانت الحب الأكبر وأم ابنه الوحيد ياسين.
الفنانة هند رستم كشفت في مذكراتها عن غيرته الشديدة، حتى أنها اتهمته بالغيرة منها في كواليس ابن حميدو، وفي مواقف أخرى من زملائه مثل حسن أتلة.
أما الفنانة سناء جميل، فصرّحت بأن فوزية تدخلت لطردها من فرقة إسماعيل ياسين بعد تجاهلها دعوة خاصة بعيد ميلاد ابنه، وهو ما يعكس نفوذ الزوجة في حياته المهنية.
المونولوجات فتحت له أبواب السينما
رغم بداياته في الغناء، وجد إسماعيل ياسين نفسه أكثر في فن المونولوج، الذي فتح له أبواب الشهرة، ثم تحوّل تدريجيًا إلى التمثيل السينمائي، حيث لمع اسمه في أدوار صغيرة بداية، ثم أصبح البطل الأوحد لعشرات الأفلام التي حملت اسمه.
إسماعيل ياسين يصبح نجم شباك السينما
في خمسينيات القرن الماضي، صار اسم إسماعيل ياسين علامة تجارية، سلسلة إسماعيل ياسين في... ضمنت له مكانًا دائمًا على الأفيش، من الجيش إلى البوليس إلى الطيران، وتوّجت شراكته مع فطين عبد الوهاب وأبو السعود الإبياري نجاحه.
كما أسس فرقته المسرحية الخاصة، رغم أنه لم يكن خبيرًا بالمسرح في البداية.
وأنفق أموالًا طائلة لجذب النجوم، وظل لفترة لا يربح من العروض، بل كان يتعلم ويتدرّب وسط الكبار حتى أتقن اللعبة.
المنتجون تآمروا عليه وطالبوا بمقاطعته
مع مطلع الستينيات، تغيّرت الخريطة، الدولة بدأت تدعم نجومًا جددًا بأجور أقل، ويُقال إن ضغوطًا مورست لإبعاده، فاختفى من السينما تدريجيًا، وبدأت ديونه تتراكم.
وترددت شائعات أن تاريخه المسرحي تعرّض للإتلاف المتعمّد، إذ لم يبقَ من أرشيفه سوى مسرحية واحدة بعنوان كل الرجالة كده، كتبها له أبو السعود الإبياري خصيصًا كي يتمكن من التمثيل وهو جالس، بسبب مرض النقرس.
ممثل لبناني يصفعه على وجهه في فيلم مهين
اضطر إسماعيل ياسين للعمل في لبنان والكويت، وافق على أدوار ثانوية ومهينة، ومنها دور صبي سباك يُصفع فيه على وجهه، في فيلم طريق الخطايا.
الدولة أهملته بعد وفاته ولم تكرّمه في آخر أفلامه
بعد بيع كل ما يملك لتسديد الضرائب، عاد إلى مصر محطمًا نفسيًا، لجأ مجددًا للمونولوج رغم مرضه، وعاش آخر أيامه في فقر وعزلة.
شارك في فيلم الرغبة والضياع مع رشدي أباظة، لكنه توفي أثناء التصوير، ما حدث بعدها كان صادمًا: تم استبداله بممثل آخر صوّر مشاهده من الخلف، وتم تركيب صوته لاحقًا، ولم يُكرّم في التيتر بأي شكل.
إسماعيل ياسين توفي بعد 10 أيام من وفاة فطين عبد الوهاب
حتى زوجته لم تصدق نبأ وفاته، وظنت أنها نكتة منه، وعندما سألها أصدقاؤه عنه، قالت: ادخلوا شوفوا صاحبكم، عامل نفسه ميت، لكنه لم يكن يمزح هذه المرة.
في آخر ساعات حياته، أنار إسماعيل كل أضواء المنزل، رغم معاناته المادية، وعندما سُئل عن السبب، قال: تيجي غالية... مش أنا اللي هدفعها.
رغم كل ما مرّ به من معاناة وظلم، ظل إسماعيل ياسين رمزًا للضحك النظيف والبسمة التي لا تُنسى، ترك لنا تراثًا لا يُقدَّر بثمن، وذكريات لا تزال حيّة في قلوب أجيال لم تعاصره، لكنها أحبّته من الشاشة.