محمد خالد القعيد يكتب لـ خبر أبيض: أفكار اللص والكلاب
هذه الرواية هي من أشهر ما كتب نجيب محفوظ، والقصة مستوحاة من قصة السفاح الشهير محمود أمين سليمان، برغم من بُعد الكثير من التفاصيل عن بعضها، لكن حين استوحاها نجيب محفوظ كان في بنات أفكاره بعض العناصر والمعتقدات التي كان يؤمن بها نجيب محفوظ وقتئذ.
جريمة المثقف
ومن هذه التصورات جريمة المثقف حيث كان لشخصية رءوف علوان تأثير كبير في تشكيل أفكار سعيد مهران اللص الذى كان يسرق مساكن وقصور الأغنياء الذين استولوا على الأموال التي هي في الأصل حق للفقراء.. ولذا لم يكن يشعر بالذنب وهو يسرق الأغنياء.
وكان حريا بالمثقف الصحفي الكبير رؤوف علوان أن يزرع في نفس الجاهل سعيد مهران تغيرا للأفكار التي تحوله من لص إلى ثائر على تكنيز الأغنياء للأموال، ويقاوم الفكر بالفكر.
وهنا تبدو خطورة المثقف الذى يوجه السذج من الناس إلى أفكار يستغلها اللصوص وأهل الإجرام زريعة لارتكاب جرائمهم.
ومن هذا الصنف كاتب عرف بالإلحاد شكك عشرات الطلاب والشباب في دينهم حتى أخطأوا في حق أهليهم وارتكبوا موبقات لا مقطوعة ولا ممنوعة ساروا بها إلى طريق الحتوف ، ومن ثم استحلوا المخدرات رغم أنهم من ذوى التعليم وحملة الشهادات العليا.
وجرائم المثقفين تحتاج لدراسات مكثفة خاصة إن كانت تزج بمن اتبعهم إلى سيء الأهداف والمرامى.
الخيانة بين الأفراد
والتصور الثاني وجود الخيانة بين الأفراد، سواء على مستوى الأهل والأقارب، أو المعارف والأباعد، والذى تظهره الوقائع أنه بلا حدود مانعة، فزوجته تخونه في حياته مع صبيه عليش، وبعد سجنه تتزوج من هذا المساعد الخائن الذى زج بمعلمه سعيد مهران إلى السجن.
في الوقت ذاته تظهر في الرواية شخصيتان جديرتان بالدارسة وإلقاء الضوء .
الشخصية الأولى : شخصية الشيخ الجنيدى الرجل الصوفى الذى يسكن الحوش الكبير، ويقيم فيه حلقات الذكر، والذى يذهب إليه سعيد مهران يلتمس منه البركة ويطلب إشاره ، لكن الشيخ كان يؤكد له أنه لم يخرج بعد من السجن بإسلوب فلسفى صوفى قد لا يفهمه العوام ، ويلجأ إليه بأن يسمح له أن يقيم في الساحة، لكن الشيخ يقول له توضأ واقرأ – يعنى القرآن – والحاصل أن سعيد مهران يخرج ليحدد أهدافه في الانتقام ممن زجوا به في السجن ، ومن الرجل المثقف الذى خلله وخلق منه لصاً محترفا.
الشيخ في صورة الدروشة
ونجيب محفوظ قد أظهر الشيخ في صورة الدروشة التي لا تعلم أحدا ولا تجذب إلى الدين راغبا .. فالدين ليس حفلة يتواثب فيها جمع من المجاذيب الذين يسمون أنفسهم اتباع ومريدين .. ولو أن الشيخ قد احتضن اللص اللاجئ إليه ، ربما كان لحياته شأن أخر ، وقد استخدم نجيب محفوظ صورة الشيخ الصوفى في الثلاثية أيضا .. وهو يشير إلى أن هذا النوع من الدين هو السائد ، ولا يرتجى من هذا المنهج نفع لأحد.
أخلص من تعامل بصدق مع سعيد مهران
أما الشخصية الثانية فهى شخصية نور العاهرة التي وقفت بإخلاص بجانب اللص سعيد مهران، وحاولت نصحه وتحويله إلى رجل صالح يفيد المجتمع ويهذب نفسه ويعمل ويكتسب، ويتعمد محفوظ أن يبين نور العاهرة هي أخلص من تعامل بصدق مع سعيد مهران وهنا لم يكن هناك ما يستدعى أن يظهر محفوظ مجال العهر، فنور كان من الممكن أن تخرج من مجتمع أنظف وأطهر، لكن ثقافه المؤلف وقتئذ ربما تأثرت بالأفكار المطروحة آنذاك، أو ما قبلها، مع الاعتبار بأن مرحلة الستينات من القرن الماضى ظهرت فيها ثمارالفكر الماركسى والاشتراكى وغيرها، ونجيب محفوظ مشهور بالرمزية لذلك لم يكن اسم نور شخصية عشوائية الاسم، بل كان مقصودا لإظهار أن الخاطئة العاهرة نور هي الومضة المضيئة في حياة سعيد مهران.


